الفائز بالميدالية الفضية

عقدة الفائز بالميدالية الفضية

150

عقدة الفائز بالميدالية الفضية

صادفت مقالاً عن هذه العقدة النفسية التي تصيب الرياضيين الفائزين بالميدالية الفضية، وقد ناقشت المقالة بالتفصيل قصة حياة لاعبة امريكية فازت بالميدالية الفضية في احد الأولمبياد، ولن اتفحص القصة الأن ولكني سأناقش موقف العلماء النفسيين في بحث هذه الظواهر.
فالمقالة تقول:
تعتبر هذه الصورة من القصص المؤثرة الي يعرفها جيداً متابعو الرياضة

فهي صورة لحظة التتويج للاعبة الجمباز الأمريكية ماكييلا ماروني بعد فوزها بالمركز الثاني و بالميدالية الفضية في دورة الألعاب الأولمبية التي أقيمت في لندن سنة 2012.

ولكن قصة الصورة العجيبة كانت أن ماكييلا كان متوقعا لها من مدربيها والقيادات الرياضية الأمريكية للفوز بالمركز الأول وبالميدالية الذهبية وذلك في مسابقات الوثب فوق الحصان و كانت بالفعل في طريقها لتحقيق هذا الفوز الثمين لولا أنها ولأسباب نفسية في تقدير الوثبة تعثرت أثناء هبوطها بالحصان مما أدى لخسارتها المركز الأول ومن ثم فوزها بالفضية.

ولهذا فإن الصورة المرفقة تحمل النظرة التي بدت على وجهها أثناء التكريم والتي لم يكن هناك أي صعوبة في تفسيرها. فقد كانت هذه النظره هي نظرة الخسارة والحسرة وخيبة الأمل التي ربما تعلو وجه أي شخص فاشل لم يستطع الحصول على التتويج النهائي.

المشكلة أن الصورة انتشرت انتشارا كاسحاً مما أدى لشهرة ماكييلا بشكل غريب ربما أكثر مما كان سيحدث حقيقة فيما لو قد فازت بالميدالية الذهبية.

والمشكلة في مقالتنا هنا أن العلماء النفسيين الأنثروبولوجيين قد درسوا هذه الظاهرة من قبل أكثر من مرة وتوصلوا أنها ردة فعل طبيعية عن الفائز المشحون بقوة وطاقة ايجابية نفسية بأنه الشخص الأول، وعند خسارته المركز الأول يعتبر أنه خاسر حتى ولو تم تتويجه بأحد الميداليات الفضية أو البرونزية.

ربما كانت هذه هي مشكلة العلماء النفسيين النفسية، لأنهم يُريدون تنظير أي موقف ليستطيعوا أن يجعلوه بشكل ثابت كوسيلة او كأداه معرفية خاصة كقاعدة نفسية ثابته وقداتضح فيما بعد أن ردة فعل ماكييلا هذه و عدم رضاها هو شيء يعرفه علماء السيكولوجيا وبعضهم يطلق عليه “عقدة الفائز بالفضية” و لها تفسير علمي يستحق التأمل.

وعلى نفس المنوال في عام 1995 قام عالمان نفسيان في جامعة كورنيل بعمل دراسة نفسية وذلك من خلال جمع صور التتويج بالميداليات في دورة الألعاب الأولمبية التي تم اقامتها في برشلونة عام 1992 وقاموا بعرضوها على مجموعة من الطلاب وطلبوا منهم أن يقيّموا تعبيرات وجوه الفائزين أثناء التتويج حسب مقياس للسعادة بأن يكون التقييم رقم 10 هو دليل أن الطالب يعتقد أنه إذا كان الفائز شديد السعادة ويكون التقييم بالتقدير رقم 1 إذا كان الطالب يعتقد أن الفائز  يبدو شديد الحزن أو الحسرة.
بعد التقييم قاموا بجمع و حساب العلامات و تبين أن الفائز بالفضية حصل على علامة 4.7 على مقياس السعادة بينما الفائز بالبرونزية و الذهبية حصلا على علامات متقاربة في حدود 7.5.

وقد كان نتيجة البحث والتنظير للتجربة بأن التفسير هو أن الفائز بالفضية يقوم بتكوين اعتقاداً نفيياً بأنه لا يملك في أكثر الأحيان إلا أن يقارن نفسه بالفائز بالذهبية ويقول في نفسه “كان ممكن أن أكون أنا الفائز”. وقد تم صياغة هذا الطريقة من التفكير يسميها العلماء “counterfactual” أو تم تصنيفها وتسميتها بأنها طريقة التفكير المنافية للواقع. حيث يقوم الشخص بتكوين فكرة سلبية أو ايجابية بناء على واقع غير حقيقي.

أما شخصية الفائز بالبرونزية في المقابل يقارن نفسه بمن لم يفز بشيء ولهذا تنشأ عنده نفسية ايجابية سعيدة وغالبا يقول في نفسه “أنا محظوظ فأني قد فزت بشيء على الأقل”.

ربما هنا تبدو نسبية الأمور في تفكير الإنسان انثروبولوجياً بشكل معقد فهو لا يبدو عموما مهتما بالقيمة المطلقة أو المادية لما أنجز أو تم انجازه من حيث المكسب والخسارة وإنما بقيمة ما كسب مقارنة بما حصل عليه غيره.

حتى يبرهن العلماء على ما استخلصوه من هذه النظرية قاموا في دراسة أخرى بسؤال مجموعة من الأفراد: هل تفضل أن تحصل على راتب سنوي مقداره 100 ألف دولار في حين ربما يكون دخل العاملين من حولك هو 200 ألف دولار سنويا مقارنة بحالة أخرى هي أن يكون لك الحصول على راتب 50 ألف دولار سنوياً فيما بينما يكون دخل الأفراد من حولك هو 25 ألف دولار سنوياً.
كما أن السؤال تم ختامه بالتفسير التالي: عِلما بأن القوة الشرائية لل 50 ألف دولار هي نصف القوة الشرائية لل 100 ألف دولار.

والسؤال هنا: ماذا تعتقد كان جواب الأفراد المشاركين في الإستبيان؟

تقريبا نصف الذين سُئلوا اختاروا ال 50 ألف دولار.

والغريب أن اختارهم هذا لا لأي سبب سوى أن يكونوا أفضل من غيرهم مع أن ذلك يعني أنهم سيكونوا أقل غنى.

من الواضح أن طريقة تفكير بعض الناس، و ربما معظمهم، في الحكم على قيمة ما يملكون فقط من خلال مقارنة أنفسهم بغيرهم يجعلهم يتخذون قرارات حمقاء و الأسوأ من ذلك يجعلهم أقل سعادة.