Dr. Nezar Kamal - د. نزار كمال
الموقع الرسمي خبير التميز الحكومي العربي

- الإعلانات -

الخطابة وفن الإقناع – حوار مع دكتور نزار كمال

الخطابة وفن الإقناع تولد الرغبة الأكيدة  تكمن في أن يخرج كل من استمع إلي الخطبة وهو صاحب عزم علي التغيير وصاحب قوة في إتخاذ القرار .  

33

الخطابة وفن الإقناع تولد الرغبة الأكيدة  تكمن في أن يخرج كل من استمع إلي الخطبة وهو صاحب عزم علي التغيير وصاحب قوة في إتخاذ القرار .

الخطابة وفن الإقناع 

يبحث الخطباء ما بين ألف وباء ، ما بين إبداع الأدباء وبراعة الفقهاء فهم في عمق استغراقهم في البحث ينظرون إلي نقاط ضعف الأمة ويتمثلون الحال ، يعملون علي العلاج بإستدلال مؤثر أو موقف معبر . 

وكذلك كان العلماء السابقون ، أصحاب الخطب العظام فنمثل أستاذنا ومعلمنا سيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم . فجميع الخطباء يرغبون في أن يكون أدائهم فريداً ، يصاحبه معان خلابة وقصص جيدة وعرض رائع مستساغ ، كما أن الرغبة الأكيدة  تكمن في أن يخرج كل من استمع إلي الخطبة وهو صاحب عزم علي التغيير وصاحب قوة في إتخاذ القرار . 

ولو حدث هذا التطور لتطور المجتمع المسلم حتى لكأنه من الملائكة أقرب ، فإسماع التذكرة  جزء من الصلاة وكأني أنظر الآن إلي المجتمع المسلم وقد تميز الخطباء في العرض والتأثير وتعلموا من فنون الإقناع ما يفيدهم ويعزز خطبهم فأري وكأن الناس وقد جلسوا منتبهين ونظرات الاهتمام تشرق علي وجوههم ، وكأني أسمع دقات قلوبهم تنبض بالحب تارة وبالفهم تارة وبالعزم تارة أخري ، وكأني أستشعر مع زفراتهم وتنهداتهم إ حساسهم . حتى إذا خرجوا من الخطبة تجدهم وقد انتشروا في الأرض ليبتغوا من فضل الله وقد تجدد إيمانهم وحسن خلقهم وتذكر ناسيهم وانتبه غافلهم . وهنا أخي الخطيب نقف وقفة نستعرض معها بضع لفتات ولعلها خاطرات . 

هي مهمة وعلي التأثير في الخطبة مُلمه ، فلتنظر واستمع ثم إستعرض وتحسس منها الطيب فإنه متوافق متأصل مستخلص بإذن الله من الكتاب والسنة ومن الطب والحكمة . 

حال المسلمين اليوم في الخطب غريب فإذا إتخذت جانباً متفرجاً وتفحصت كلمات الخطيب ونبرة صوته وحركات جسده ثم أدرت عينيك إلي الحضور ودرست منهم تأثير هذا الخطيب ستعرف بالتأكيد سر تميزه هذا أو قل عكس ذلك .

فمن الناس من إذا حضر لصلاة الجمعة مثلاً ويكون قد جاء مبكراً تجده قد أتخذ موقعاً في مواجهة مكان الخطيب ( ولنا مع هذا المثال وقفة ) . 

وتجد آخر قد ذهب إلي ركن من أركان المسجد مع العلم أنه من هذا المكان لا يري الخطيب ( ولنا مع هذا المثال وقفة أخري )  

ومنهم من تجده في الصف الأول قريباً من الإمام أو في مكان بعيداً منزوياً عن الحضور ( ولنا معه وقفة ثالثة ) .

أحوال هؤلاء متفاوتة فهي تنبع عن قرار داخلي يصاحبه راحة لأي منهم متمثلة في أفضلية المكان بالنسبة إليه . 

فإننا ومع النموذج الأول ننتبه لكون هذا الشخص الذي يجلس في مواجهة مكان الخطيب يهتم بمشاهدة الخطيب فهو ينظر إليه طوال الخطبة حريص علي أن يبصر حركاته ويري انفعالاته ومنها يتأثر بالخطبة . وهذا النموذج إذا كان يوماً في مكان هو أبعد عن مسار الرؤية تجده بكل ألم متضرر يحاول أن يستمع للخطبة ولكن مع عجز في الفهم . فهذا نموذج يعتمد علي البصر في التعامل مع أمور حياته . 

أما النموذج الثاني فهم أصحاب الأماكن غير ذات الواجهة المباشرة فإن إطلاعه علي مشهد الخطيب غير مؤثر وتجده وقد أسند ظهره إلي الحائط أو إلي عمود من أعمدة المسجد وجانبه إلي الخطيب ثم أطرق أذنه ليسمتع بها إلي الخطبة غير متأثر بحركات الخطيب وهذا نموذج يعتمد علي السمع في التعامل مع أمور حياته . التسويق الإلكتروني لمعلم القرآن

والنموذج الثالث وهو عادة ما تجده أمام الخطيب أو في ركن بعيد يميل معه أصحابه للانعزال ، فهم يستشعرون الكلمات ويتأثرون بالعبرات تجرفهم مشاعرهم فتجد منهم المتأثر وكذلك المتألم وكذلك المنفعل فهم أصحاب القلوب الوجلة وأصحاب الحس المرهف وهذا النموذج الثالث يعتمد في التعامل مع أمور حياته علي الأحاسيس والمشاعر القلبية . 

هؤلاء ثلاثة أصناف تنقسم إليها فئات البشر فمنهم من يميل في التعامل إلي التأثر بالصور فهو يستغل بصره ومنهم من يميل في التعامل للتأثر بالأصوات فهو يستغل سمعه ومنهم الثالث الذي يعتمد علي أحاسيس ومشاعر تصدر عن قلبه.

وصدق الله عز وجل إذ خلقنا و يعرف قدراتنا قد حاسب كل منا على ما يميزه عن غيره و ما يؤثر به في حياته .

و هذا التصنيف على بساطته يمكن أن يُستغل في إتقان فنون الخطابة حيث إنه لابد للخطيب أن يعلم أن الجمهور الذي أمامه ما هو إلا خليط من هذه الأصناف فمنهم مُستمع و منهم مُبصر و منهم مُستشعر فإن إتقان الخطبة  يكمن في تنوع الأساليب ما بين كلمات تُصور المشهد الذي يحكيه الخطيب ثم أقوال تُفصل المواقف الصوتية و كذلك مع بعض الكلمات التي تعبر عن رهافة الحس ما بين كلمات شعورية دافئة أو باردة . 

ويمكن للخطيب مع إستغلال الكلمات المميزة لكل صنف أن يتفاعل معها بحركات جسده ليؤثر بها علي المشاهدين الصوريين أو   يتميز في نبرات صوته مع هدوئها أو ارتفاعها مع حدتها أو سرعتها ليؤثر بها علي الحاضرين المستمعين وكذلك بآهاته وسكناته ثم بوقفاته وكلماته ليؤثر بذلك كله علي الشعوريين. 

ويشغلنا الآن التجربة ، فنحن نعلم أن التجربة خير برهان . فإذا ثبت أن ذلك ذو تأثير مبدع فهو ما نريد وإن كان غبر ذلك فإن الله عز وجل يقول في سورة يونس ( 40- 43 ) 

”  ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين ، وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون ، ومنهم من يستمعون إليك أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون ، ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمى ولو كانوا لا يبصرون ، ” فهنا وفي هذا الترتيب المبدع يخبرنا الله عز وجل عن أصناف البشر فمنهم الحسي الذي يؤمن بقلبه ومنهم السمعي الذي يتعامل بسمعه ومنهم البصري الذي يتعامل بنظره . 

فهذا مصداق حديثنا ، ثم أيها الخطيب فكأن الله عز وجل ينبهنا أنه عند التعامل مع حشود تحتوي هذه الثلاثة أصناف فإن النموذج الأمثل في التعامل هو أن تخاطب ذا المشاعر أولاً ومن ثم ننتبه لأصحاب الأسماع ثم نلتفق في النهاية إلي البصريين وهذا في كل فكرة ، وتتلوا الفكرة أختها في تعبيرات متناغمة ما بين حسي وسمعي وبصري . 

- الإعلانات -

ولا يظن أحدكم أن الخطبة بأجمعها تقسم إلي ثلاثة أقسام فيجعل القسم الأول لنقل المشاعر ثم القسم الثاني للأصوات والثالث يكون للصور ، ولكن يكون هذا التقسيم في كل فكرة وهذا ما يميز الخطباء عن بعضهم البعض في احترافهم وفنهم . 

ولنا بإذن الله بحث آخر نفصل فيه هذه النماذج علي نحو أشمل وأدق في التفصيل ليكون لنا معيناً بإذن من الله وفضل لرفعه هذا الدين وتأصيلاً لمبدأ حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” الحكمة ضالة المؤمن ، أينما وجدها فهو أحق الناس بها ” فصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم . 

و أود أن أضيف أيها الخطيب الحبيب أن الله عز وجل أمر رسوله الكريم بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة فقال عز من قائل : ” إدع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ” وهذا ما نود أن نستعرضه هنا فإن الخطباء علي أحوال كثيرة وأصناف عديدة فمنهم من أهمل الناس تواجده ومنهم من إهتم البشر بحضوره فهم علي حالان إما منتصر لدين الله فَمُمَكن له وإما داعية لغير طريق الله صارفاً عنه ،  فالأول مصداق قول الله عز وجل والآخر نموذجاً لقول الله عز وجل   ” ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ” آل عمران 159

وهنا نستمثل معاً هذا الحوار لنستغرق علي طريق القرآن في عرض مشكلات المجتمع ومن ثم إستعراض الطيب والخبيث فيها ومكافأة المحسن ومعاقبة المسيء . 

هل الخطابة وفن الإقناع من التنمية البشرية؟

فإنك أيها الخطيب تعلم أن الأصل في الدعوة الترغيب ثم يتلوها الترهيب فمن أكرمه الله بالترغيب فإطلاعه علي الترهيب يكفيه ومن لم ينصلح حاله بالترغيب كان عاقبه إهماله . 

وحال الحضور أمامك هكذا بين صالح وطالح ما بين قابل للترغيب ومحتاج للترهيب فإن أنت إعتمدت الترهيب كنت عن الصالحين بعيد منفر وإن أنت ركزت علي الترغيب كنت من الطالحين بعيد غير مؤثر . فلا ينتهي حالك وأنت علي المنبر ما بين صالح مفتور أو طالح مغرور. 

وتمثل معي قول الله عز وجل حيث وجهنا في كتابه العزيز لأن نخاطب القوم الحاضرون ونحن نعلم أن منهم الصالح ومنهم الطالح فمنهم أهل اليمين ومنهم أهل الشمال . فيقول الله عز وجل        ” يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ، و أما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ”  آل عمران 106

وتعجب معي أخي الخطيب حيث نعلم جميعنا أن الترتيب مُلزم في اللغة العربية أي أنه من المأثور لغة أنه إذا بدأنا بذكر من تبيض وجوههم ثم ذكر من تسود وجوههم و لذلك فإن الأفضلية في اللغة تُرجح أن نُفسرها بالتدريج كأن نوضح حال من تبيض وجوههم ثم توضيح من تسود وجوههم .

و لا يكون مخالفة ذلك عند العرب إلا لحاجة .

و هذه الحاجة هي ضالتنا التي نبحث عنها ، فإن استعراض الله عز وجل لحال المؤمنين و حال غيرهم كان بمثابة إعلام لنا بأنه حال كوننا نقف موقف النقد أو التعليل أو التحليل و بالطبع موقف الخطيب المُصلح فإن الإسلوب القرآني المبدع قد أوضح لنا أن مخاطبة الناس على هذه الحال يستلزم المرور بتلك المراحل الثلاث .

أما أولها فهي ذكر كل صنف إجمالاً على أن نبدأ بالصورة الإيجابية كأن نذكر أصحاب اليمين أولاً    مثلاً ثم أصحاب الشمال ز هذا في كل فِعل كأن نذكر الصائمون ثم المُفطرون ، و أيضاً المصلون و المنقطعون و هكذا بالترتيب لقول الله عز و جل ” يوم تبيض وجوه و تسود وجوه ” .

أما المرحلة الثانية فهي تفصيل الحال لأصحاب المعصية على وجه وضحه الله عز وجل في الآية المذكورة بأن قال سبحانه : ” فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ” .

حول معنى الخطابة وفن الإقناع

و هذه المرحلة فيها من العبر ثلاث بأن نبدأ بالمعاتبة المُذكِرة التي توضح معصيتهم بعد إيمانهم و نمر منها للعبرة الثانية التي نُقر فيها العقاب فيها فنذكر العذاب و شدته و قسوته ثم نُنهي هذه المرحلة بالتذكرة النهائية بأنهم هم السبب في توقيع هذه العقوبة عليهم و ذلك مآل كفرهم وبسبب جحودهم .

و المرحلة الثالثة ففيها الشمول و الموازنة بين مشاعر الفرح للمؤمنين بثوابهم من الله أولاً و كذلك من نجاتهم من العقاب ثانياً و استشفاء قلوبهم ثالثاً ، و روعة الأمر أن فيه تأصيل معنى نعيم الله و مغفرته و بالطبع إثارة للغيظ و الكمد و الحسرة في قلوب المذنبين بل ويستثير هممهم لكي يبذلوا جهدهم في سبيل تحصيل الخير الذي رآه المؤمنون ووجدوه ، و هذه المرحلة تمثيلا لقول الله عز وجل ” و أما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون ” .

و هكذا أيها الخطيب رأينا أن الإبداع الخطابي ما هو إلا انعكاس لإبداع حواري رباني و إن نحن أردنا استخلاص الأساليب المثلي فعلينا بتحري أساليب القرآن فهي كلام الخالق و إبداع العليم الحكيم .

و أوصيك بأمانة الخطبة فإنها لا شك إما لك أو عليك فلا تكونن من المُنفرين واحرص على كونك من الداعين إلى الله بالحكمة و الموعظة الحسنة و لا تنس أن تجعل آخر خطبتك خيراً و فيها وصفاً لحال المؤمنين إما في الجنة أو في تيسير أحوالهم في الدنيا فهذا بإذن الله مؤثر و على الحضور بشكل كبير مُغير , و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

 

د/ نزار كمال

[email protected]

 

 

- الإعلانات -